عرض المقال
أنا م البلااادّى
2013-05-26 الأحد
أن تكون مختلفاً فى بلد عنصرى فهذه مشكلة، أن تكون مختلفاً وفناناً فهذه تراجيديا، أن تكون مختلفاً وفناناً فى زمن الإخوان فهذه كارثة ومأساة! فيليب فكرى فنان تشكيلى وكاتب قرر أن يكتب يوميات قبطى ساخر بعنوان «أنا م البلاادى»، كتاب موجع برغم السخرية الكامنة ما بين السطور إلا أنها الكوميديا السوداء التى تنتهى ضحكاتها بملح الدمع فى المآقى المنكسرة والحناجر المشروخة، فى وطن يقول ده مسيحى بس طيب ودى لامؤاخذة كنيسة ودول أربعة ريشة وعضمة زرقا.. إلى آخر هذه المصطلحات التى تحفر فى الوجدان «جيتو» إجبارياً ومنفى قهرياً يجعل كل قبطى يدخل قوقعته الخاصة ويتشرنق فيها لتصبح له لغته ومفرداته وصداقاته وإحباطاته المغموسة فى سم الإقصاء والصد والأساطير والأوهام، حكى فيليب بريشة فنان كاريكاتير بورتريهات عن قبطى يواجه المجتمع منذ عتبات الطفولة حتى باحة الشباب بدرع الرهبة والخوف مختبئاً داخل صدفة سلحفاة سميكة من كراهية الحميمية التى إن خرج عن النص وتجاسر وسعى إليها كان رد الفعل «وانت مالك ياقبطى.. أنا مباكلمش مسيحيين»، منذ حصة الدين فى المدرسة التى تحولت إلى ماتش كورة بين الأطفال المسيحيين إلى أن أجبرهم الناظر على الحضور حيناً مع الأستاذة زينب التى تعاملهم ككفار يجب هدايتهم وحيناً مع مدرس الكيمياء المسيحى الذى حول الدين إلى معادلات كيمياء فاشتاقوا إلى لعب الكورة، مروراً بالتقديم فى ناد كروى شهير يرفضه مدربه بمجرد سماع اسمه الملتهب بجمرة المسيحية رغم أنه حريف، يحكى لنا عن معشوقته على الهاتف التى خجل من ذكر اسمه عند معاكستها فى التليفون حتى لا تغلق السماعة فى وجهه ويُغتال جنين الحب ويجهَض قبل الولادة، نتذوق معه طعم مرارة طفل ومذاق انكساره وهو يتوجه لتسلم جائزة القدس عربية كأفضل لوحة ويجد أنه قد شطب من المركز الأول لمجرد أنه من العيب أن يفوز مسيحى بجائزة تحمل اسم القدس!!، جو محموم مسموم كله إقصاء وعنصرية وحراب مسنونة مدببة كلها كراهية وعنف، فى وسط هذا الظلام نجد بقعة ضوء، صديقاً مستنيراً من أيام الطفولة لم يضع حاجز الدين نظارة سوداء على عينيه وتعامل مع بطل اليوميات القبطية الساخرة بمنطق الإنسانية وثقافة ابن نفس الوطن ونفس الأرض ونفس الإحباط ونفس العدو ونفس النكتة التى تقتسم كالرغيف على مهمومين مصابين بنفس المرض المزمن، مرض حب مصر.